tota68 Admin
عدد المساهمات : 129 نقاط : 349 شكر وتقدير : 0 تاريخ التسجيل : 03/02/2010
| موضوع: الغيرة والحياء الأحد فبراير 07, 2010 11:18 am | |
| الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على آله وصحبه, وبعد:
فإن من محاسن ديننا الاهتمامُ بمكارم الأخلاق, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» [صححه الألباني].
ولما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ ما كان عليه الجاهلون من أخلاقٍ حسنةٍ, وألغى ما كانوا عليه من أخلاق رديئة, وهذَّب ما كان يحتاج إلى تهذيب.
ومن مكارم الأخلاق التى كان الجاهليون يتحلّون بها: غَيرة الرجل على محارمه, بل كان بعضهم يشتطُّ في هذا الأمر ويبالغ فيه, حتى وصل الحال ببعضهم إلى أن يئد بنته خوفاً من أن تقع في الفاحشة إذا كبرت. فحرَّم الشارعُ هذا, وهذَّب جانب الغيرة وحسنه وجعله من شعب الإيمان؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا شيء أغير من الله» [رواه البخاري ومسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه» [رواه مسلم], وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته لما كسفت الشمس: «يا أمة محمد, ما أحدٌ أغير من اللهِ... » [رواه البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن من الغَيْرة ما يحبُّ الله...» [حسنه الألباني]. ولما قال سعدُ بن عبادة رضي الله عنه : "لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربتُه بالسيف غير مُصْفَح, قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتعجبون من غَيْرةِ سعد؟ لأنا أغيرُ منه, والله أغير مني» [ رواه البخاري]. (غير مُصْفَح: أن يضربه بحدِّ السيف لا بعرضه, فالذي يضرب بالحد يقصد القتل بخلاف الذي يضرب بعرض السيف فإنه يقصد التأديب).
ولقد تحلّى الصحابة رضي الله عنهم بهذا الأدب النبوي وتمسكوا به, شأنُه شأن غيره من واجبات الإيمان وشُعَبِه, فلم يكن غريباً من أحدهم أن يَقْتل أو يُقْتل بسبب المحافظة على هذا الأمر. روى إبن هاشم أن امرأة من العرب قدمت بجَلْبٍ لها (ما يجلب للأسواق ليباع فيها) فباعته بسوق بني قَينُقاع (إحدى قبائل اليهود) وجلست إلى صائغ بها, فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت, فعمد الصائغ إلى طَرَف ثوبها فعقده إلى ظهرها -وهي لم تشعر- فلما قامت انكَشفت سَوْأتها, فضحكوا بها, فصاحت, فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله -وكان يهودياً– وشدت اليهود على المسلم فقتلوه, فسار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم, وحاصرهم حتى نزلوا على حكمه, فأجلاهم إلى الشام.
وعلى هذا مضى سلف الأمه, ولم يتنازل المسلمون في هذا الخُلُقِ أو يُفرِّطوا فيه حتى في فترات الضعف التي مرت بها الأمة الإسلامية؛ فحينما احتل الصليبيون بعض بلاد المسلمين في الشام ودام احتلالهم لها قُرَابَةَ قرنين من الزمان, وهي فترة قد تلقي في بعض النفوس الظنَّ أنهم باقون ابداً حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام, في تلك الفترة سجل المؤرِخون أن المسلمين كانوا ينظرون إلى النصارى نظرةَ احتقارٍ وازدراءٍ وأنهم (دياييث, يكون الواحد منهم سائراً مع زوجته في الطريق فتلتقي بصديق لها, فيتنحى الزوج ليتيح للمرأة أن تتحدث مع صديقها ما شاءت من الحديث).
صورٌ من التفريط في الغيرة والتقصير فيها
ونحن في بلادنا هذه –عَمَرها الله بالطاعة– لا زلنا خيراً من غيرنا في هذه المسألة، وإن كان بعض الناس قد قصروا تقصيراً بَيِّناً.
- فترى أحدهم يكون في سيارته فتنزل زوجته وتتمادى في محادثةٍ وكان الأَوْلى مرافقته لها.
- وترى أحدهم تختلي إمرأته بالرجال الأجانب؛ بالسائق في السيارة، أو بالبائع في المتجر، أو بالطبيب في العيادة، أو غير ذلك، ولا يرى في هذا عضاضةً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان» [صححه الألباني].
- ومن ذلك ترك الرجل امرأته ومن في ولايته يَلْبَسْنَ من الملابس –عند خروجهن من البيت– ما يُظهر بعض البدن أو يجسِّده أو يصف البشرة.
- ومن صور التفريط في الغيرة: خروج الرجل بامرأته ومحارمه إلى بعض التجمعات العامة التي قد تتعرض فيها للاختلاط بالرجال أو تكون عُرضةً لإطلاق أبصارهم عليها.
- ومن صورِ خفَّة الغيرة لدى الرجل: تركُه امرأته تسافر بدون محرم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال: يا رسول الله ! إن امرأتي خرجت حاجة. وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا. قال: انطلق فحج مع امرأتك» [ رواه مسلم].
- فهذا مجاهدٌ في سبيل الله أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعدل عن الغزو في سبيل الله كي يرافق امرأته التي خرجت في سفر فاضل هو سفر الحج، ومع رِفقة من هم أزكى الناس وأتقاهم، ثم إنها قد خرجت ومضت، ومع كل هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انطلق فَحُج مع امرأتك».
أسباب ما سبق:
ما تقدم ذكره من الصور حكاية لواقع حاصل ومُشاهَد. ومع هذا فالصِّبغة الغالبة ولله الحمد هي المحافظة على الأعراض والغيرة عليها. فما سبب ما يحصل من بعض الناس من ذهاب الغيرة وزوال الحياء؟، قبل الخوض في ذلك لنتحدث عن مكانة الحياء ومنزلته في الدين.
الحياء
الحياء شعبة من شعب الإيمان، كما جاء ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن قلَّ حياؤه نقص إيمانه. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحياءُ لا يأتي إلا بخير» [رواه البخاري ومسلم]. وفي رواية لمسلم: «الحياء خير كله. قال: أنه قال: الحياء كله خير» [رواه مسلم]. ويروى عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال: "إن الله إذا أراد بعبد هلاكاً نزع منه الحياء، فإذا نُزع منه الحياء لم تَلْقَه إلا مَقيتاً ممقتاً".
وقال الشاعر:
فلا والله ما في العيش خيرٌ *** ولا الدنيا إذا ذهب الحَياءُ يعيشُ المرءُ ما استحيا بخيرً *** ويبقى العُودُ ما بقي اللّحاءُ
وقال آخر:
إن كأني أرى مَن لا حياءَ له *** ولا أمانةَ وَسْطَ الناس عُرْياناً
ولخفَّة الحياء (لدى المرأة على وجه الخصوص) أسبابٌ، منها:
1- التساهلُ في التربية عليه منذ الصغر، فمَن شبَّ على شئ شاب عليه:
إن الغصون إذا قوّمتها اعتدلت *** ولا تلينُ إذا كانت من الخشبِ
2- كثرةُ احتكاك المرأة بالرجال الأجانب، وكثرة التحدث معهم.
3- مخالطة منَ قلَّ حياؤهم، أو تكررت رؤيتهم، سواء كان ذلك ناتجاً عن السفر إلى الخارج أو برؤيتهم في الأسواق والمنتزهات، أو مشاهدتهم في المسلسلات، أو نحو ذلك؛ فإن الأخلاق -حسنها وسيئها- تُكتسب بالمخالطة.
4- ولعل من أهم الأسباب: كثرة خروج المرأة من بيتها، قال الله عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33]، وروى الطبراني بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المرأة عورة، وإنها إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها» [صححه الألباني]. (استشرفها: تطلَّع إليها، وطمع بها). وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتُهُن خيرٌ لهن» [صححه الألباني]. قال الحافظ الدمياطي رحمه الله: "قد صرح ابن خزيمة وجماعة من العلماء بأن صلاتها في دارها أفضلُ من صلاتها في المسجد، وإن كان مسجدَ مكة أو المدينة أو بيت المقدس".
- وَلْينتبه العاقلُ الفَطِنُ إلى أن ما وصل إليه الأمر في بعض بلدان المسلمين من التفسُّخ والتبذُّل لم يحدث دَفْعة واحدة، إنما بدأ -في الغالب- بداياتٍ ساذجةً حتى آل الأمرُ إلى ما آل إليه، فَخُذْ حِذْرك.
وبعد: فيا أيها المسلم، حقِّق شهادتك أن محمداً رسول الله، بأن تصدقَه فيما أخبر، وتطيعَه فيما أمر، وتجتنبَ ما نهى عنه وزجر، وإياك أن تخالف أمره اتباعاً للهوى أو مجاراةً لأحد، أو لغير ذلك من الأسباب، فقد قد قال الله عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
| |
|