لعلك لاحظت أن الثوب الناصع للثورة العظيمة التى أشعلناها نحن المصريين فى الخامس والعشرين من يناير المنصرم بدأ يتلطخ ببقع سوداء تزداد كثافتها من يوم لآخر بكل أسف.
الأمر يعود بطبيعة الحال إلى التلكؤ المريب فى تحقيق مطالب الثوار، التى هى مطالب الغالبية العظمى من الشعب المصرى. صحيح أن من بيدهم الأمر استجابوا لكثير من هذه المطالب، إلا أن الشاهد أن هناك إصراراً غير مبرر على عرقلة قطار الثورة من الوصول إلى محطته النهائية بيسر ونجاح.
خذ عندك.. بماذا نفسر وجود عدد كبير من رجال النظام المنهار ما زالوا يتمتعون بحريتهم؟ وأولهم الرئيس مبارك نفسه؟ وكيف نطمئن إلى أن الذين يحكموننا الآن لا يماطلون فى تقديم الرجل وزبانيته الكبار (زكريا عزمى وفتحى سرور وصفوت وجمال مبارك) إلى محاكمة سريعة وعادلة بصفتهم متهمين فى قضايا جنائية وفساد سياسى ومالى؟ وكيف يمكن تبرير الإبقاء على المجالس المحلية التى يتولى قيادتها رجال الحزب الوطنى المنكوب، فلا يسارعون إلى حلها فور قيام الثورة وسقوط النظام وحزبه البائس؟ كما لا يليق بثورة عظيمة مثل ثورة الشعب المصرى أن يظل المحافظون، الذين قام بتعيينهم الرئيس المخلوع، يمارسون مهامهم ويستمتعون بسلطاتهم، وكأن ثورة لم تقم وميادين لم ترو بدم الثوار، وتشتعل بهتافاتهم؟ (أكتب هذا المقال فجر 5/4/2011).
أسئلة مشروعة.. أليس كذلك؟
أما الأغرب فهو حرمان الشعب من رؤية الذين أجرموا فى حقه داخل القفص، ومتابعة محاكمتهم على شاشة التليفزيون. فمنذ اندلاع الثورة لم نشاهد صورة واحدة لوزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى المتهم بقتل المتظاهرين وهو مكبل اليدين؟ ولم نطالع أية لقطة فوتوغرافية للرجل داخل القفص؟ كما لم يسعدنا الحظ برؤيته، وهو يرد على أسئلة رئيس المحكمة. كذلك الحال نفسها مع أنس الفقى وبقية الوزراء وكبار القوم الذين جرجروهم إلى السجون بتهم الفساد وغيرها.
ليس عندى تفسير برىء لحرمان الناس من رؤية الذين عذّبوهم وأذلوهم داخل القفص، علماً بأن من حق الشعب أن يرى جلاديه وقد نالوا عقابهم على ما اقترفت أيديهم من آثام.
لا تقل لى من فضلك أن حبيب العادلى، على سبيل المثال، له أعداء كثيرون، الأمر الذى يعرض حياته للخطر إذا انكشف على الناس. ذلك أن هذا التبرير الذى أعلنه الضباط المكلفون بحراسة الوزير لا ينطلى على أحد، لأنهم قادرون على حمايته، وفى الوقت نفسه يتم السماح فيه لرجال الإعلام أن يقوموا بتصويره ومحاورته. ففرض حماية مشددة لا تعنى أن يتحول الرجل إلى شبح لا وجود له!
إن منح الناس رؤية الذين خطفوا السلطة وبطشوا بالشعب داخل زنازينهم له فوائد جمة ليس أولها أنه يشفى غليل هذا الشعب الذى انكوى بقرارات وسياسات هؤلاء الطغاة، ذلك أن إذلال ومحاكمة الظالم على الملأ تعيد للشعب ثقته فى نفسه، وتشعره بأن الثورة التى أطلقها أزهرت وأثمرت. كما أن فضح الطاغية وتجريسه أمام العالمين لها مردود إيجابى جداً يتمثل فى كبح جماح أى مسئول فى المستقبل توسوس له نفسه بالاستعلاء على الناس ونهب ثرواتهم.
باختصار.. دعوا أرواح شهداء الثورة تستكين فى ملكوتها وهى تتابع محاكمة حسنى مبارك والذين معه على الهواء مباشرة، ودعونا نحن أيضاً نوقن تماماً أن لكل ظالم نهاية ونحن نحدق فى الوجوه البائسة لأولئك الذين قهرونا وهم مكبلو الأيدى داخل القفص!
(( منقول ))